أمريكا مرشحة لتجاوز ديون إيطاليا واليونان

توقع صندوق النقد الدولي، أن يتجاوز الدين العام للولايات المتحدة خلال السنوات القليلة المقبلة مستويات الديون في كل من إيطاليا واليونان، وهما من أكثر الدول الأوروبية مديونية، لأول مرة منذ قرن، وذلك في سابقة تُبرز التدهور المتزايد في أوضاع المالية العامة الأمريكية، بحسب “فاينانشال تايمز”، الاثنين 27 أكتوبر 2025.

ووفقًا لتقديرات الصندوق، سيرتفع الدين الإجمالي للحكومة الأمريكية بأكثر من 20 نقطة مئوية ليصل إلى 143.4% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، متجاوزاً بذلك الأرقام القياسية التي سُجّلت عقب جائحة كوفيد-19″، وليصبح الأعلى بين الاقتصادات المتقدمة.

للمرة الأولى في تاريخها، تجاوزت الولايات المتحدة الأمريكية حاجز 38 تريليون دولار من الدَّين الوطني، في وقتٍ لا تزال فيه الحكومة الفيدرالية مغلقة بسبب الخلافات السياسية الحادة داخل الكونغرس حول الإنفاق العام وسقف الدَّين.

ووفقا لأحدث تقرير صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية في 22 أكتوبر، نقلته بلومبرج، بلغ إجمالي الدين الأمريكي 38 تريليون دولار، وهو ارتفاع بمقدار تريليون دولار خلال أقل من ثلاثة أشهر، ما يجعلها أسرع وتيرة تراكم ديون منذ جائحة “كوفيد-19”. ويعكس هذا الرقم القياسي الضغوط المالية الهائلة التي تواجهها الحكومة نتيجة السياسات التوسعية في الإنفاق، وارتفاع كلفة الاقتراض، والتحديات الاقتصادية المستمرة.

وفقا لـ “بلومبرج”، فإن العجز المالي الأمريكي سيبقى فوق مستوى 7% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً حتى عام 2030، وهو الأعلى بين الدول الغنية، ويرى خبراء الاقتصاد، أن استمرار العجز بهذا المستوى يعكس العجز البنيوي المزمن في الموازنة الأمريكية، في وقت تتوسع فيه النفقات الحكومية دون زيادات موازية في الإيرادات.

وقال محمود برهان، رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في “أموندي إنفستمنت إنستيتيوت”: “إنها لحظة رمزية تشير إلى أن الولايات المتحدة باتت تعيش في ظل عجز دائم، ما يعني أن الدين سيواصل الارتفاع لعقود مقبلة”.

في حين تواصل الولايات المتحدة توسيع ديونها، تسير كلٌّ من إيطاليا واليونان في مسار معاكس، حيث تتجهان نحو خفض عبء الدين عبر ضبط عجز الموازنة، وكان البلدان قد شهدا أزمة ديون خانقة بين عامي 2010 و2012 استدعت تدخل الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، لكنهما اليوم يطبّقان سياسات مالية أكثر حذراً.

يتوقع الصندوق، أن تتراجع نسب الدين في إيطاليا واليونان تدريجياً مع نهاية العقد، بينما سيظل الدين الأمريكي في ارتفاع حتى عام 2030 وما بعده، بحسب مكتب الموازنة في الكونجرس الأمريكي.

رغم الارتفاع الحاد في الدين، يرى محللون، أن امتلاك الولايات المتحدة للعملة الاحتياطية العالمية – الدولار – يمنحها قدرة أكبر على الاقتراض مقارنة بالدول الأوروبية، بحسل “رويترز”.

لكن هذا الامتياز لا يلغي المخاطر،حيث قال جيمس نايتلي، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في بنك “ING”: “الكثير من السياسيين والمستثمرين الأمريكيين ينظرون إلى أوروبا بازدراء بسبب بطء نموها، لكن عندما ننظر إلى هذه الأرقام، تتغير المقارنة تماماً”.

شهدت المالية العامة الأمريكية تدهوراً خلال إدارة الرئيس جو بايدن، رغم الأداء القوي لسوق العمل وانخفاض البطالة إلى مستويات تاريخية. ويقول محللون، إن إدارة ترامب الحالية لم تُظهر بعد التزاماً فعلياً بخفض العجز، رغم تصريحاتها عن تقليص الإنفاق وزيادة الإيرادات عبر الرسوم الجمركية على الواردات.

وأوضح جو لافورنيا، المستشار الاقتصادي لوزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، أن “التحسن في عجز هذا العام بدأ يظهر منذ أبريل”، مشيراً إلى أن الإجراءات الجمركية ساعدت في دعم الإيرادات. لكن بيانات صندوق النقد تُظهر أن الدين العام الأمريكي ظل أدنى من نظيريه الإيطالي واليوناني منذ بداية الألفية، قبل أن يقترب حالياً من تجاوزهما لأول مرة.

يعتمد صندوق النقد مقياساً آخر هو الدين الصافي، الذي يخصم الأصول المالية الحكومية. وبحسب هذا المقياس، ستبقى ديون الولايات المتحدة أقل بنحو 10 نقاط مئوية من ديون إيطاليا بحلول 2030. ومع ذلك، يؤكد الخبراء أن هذا الدين الصافي أيضاً يسجّل اتجاهاً تصاعدياً مثيراً للقلق، وقال جو غانيون من معهد بيترسون للأبحاث الاقتصادية: “حتى عند احتساب الأصول، الدين الصافي الأمريكي يزداد بسرعة، ما يعكس غياب استراتيجية واضحة لضبط الإنفاق”.

من جانبها، نالت الحكومة الإيطالية برئاسة جورجيا ميلوني إشادة من المستثمرين لاتباعها سياسة مالية حذرة، حيث يتوقع أن تحقق روما فائضاً أولياً قدره 0.9% من الناتج المحلي هذا العام، مقابل عجز بلغ 8.1% عام 2022. كما رفعت وكالة DBRS مورنينغ ستار التصنيف الائتماني لإيطاليا إلى “A-“، مستندة إلى تحسن الإيرادات الضريبية وزيادة التوظيف واستفادة البلاد من أكثر من 200 مليار يورو من أموال التعافي الأوروبية.

يرى اقتصاديون أن المشهد السياسي في واشنطن يعقّد أي محاولة لإصلاح جذري للمالية العامة، إذ يرفض الديمقراطيون خفض الإنفاق والجمهوريون زيادة الضرائب، ما يُبقي العجز عند مستوياته المرتفعة.

ويختتم موري أوبستفيلد، كبير اقتصاديي صندوق النقد الدولي السابق، قائلاً: “أي تصور بأن الوضع المالي الأمريكي مستدام يعتمد على قدر كبير من التفاؤل بشأن النمو والإيرادات وأسعار الفائدة – وربما على التمنّي أكثر من الواقع”.

موقع رؤى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *